أقلام حرة

حاتم عامر … مجرد رأي

“أمة اقرأ صارت لا تقرأ” تلك هى الحقيقة المؤلمة التى باتت تلقى بظلالها على الواقع الحياتي للأمة العربية ولا سيما فى بلدنا مصر فأضحى هذا الحاضر يجافى تماما المقصد الإلهي الذى نزل ينير الأرض بنور العلم والمعرفة فكان أول ما نزل على سيد العلماء وإمامهم سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم فى جبل النور فى مكة المكرمة اقرأ مع أن رب العزة جل شأنه وهو أعلم بحال عبده يعلم أنه لا يقرأ ولا يكتب وكان ذلك لحكمة أرادها فجاء الأمر الإلهي ليعلمنا أن هذا الدين الخاتم قائم على العلم ومبتغاه العلم ولا يقوم مفهوم العلم فى الحضارة الإسلامية على المعنى الضيق الذى يفهمه كثير من العامة أنه العلم الديني لكنه العلم بافهم العام للكلمة والذى يشمل جميع المعارف والعلوم وقد استقام هذا الفهم فى عقول وضمائر السلف حتى وصل أوج عظمته إبان حكم الدولة العباسية فى عصرها الأول وخصوصا فى عهد الخليفتين هارون الرشيد والمأمون وكانت دار الحكمة ببغداد خير شاهد على هذا التفوق الحضاري
_ إذن كانت القراءة والمعرفة والعلم هى الأداة والوسيلة التى ارتقت بحضارتنا العربية الإسلامية ووصلت بها إلى عنان السماء وقد عرفت مصر فى نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين شغفا بالقراءة واقتناء الكتب وكانت نتائج هذا الأمر ظهور الصالونات الأدبية وحالة من الشد والجذب الفكري فى الوسط الثقافي أنذاك وخاصة بين تلك الكوكبة فى سماء الفكر فى ذلك الوقت ( عباس العقاد – طه حسين _ الرافعي _ الزيات _ أحمد لطفى السيد ) وغيرهم كثير
_ وللأسف الشديد أصبح الخطر محدقا بنا وبخاصة ونحن نؤسس لجمهوريتنا الجديدة إذ بدا المشهد الثقافي فى التراجع وما يدعو للعجب أن هذا التراجع واكب نهضة فى وسائل الاتصال والتكنولوجيا الرقمية ونهضة الطباعة ويمكن بلورة أسباب هذا العزوف عن القراءة فى الآتي:
1- التربية الأسرية التى لم تعد تفكر فى إعطاء أبنائها الجرعة الثقافية اللازمة لإ نضاج عقولهم وإناء شخصياتهم وتشجيع الأطفال على شراء الكتب وإنشاء مكتبة الأسرة
2- نظام التعليم الحالي والذى لا يشجع على البحث والاستقصاء والسعي وراء المعلومات
3- طغيان وسائل التكنولوجيا بمحتواها التافه ومعلوماتها القميءة والتي تجذب شبابا يعانى نقصا فى شخصياتهم لا يمكنها أن تنقد أو تميز بين الصالح والطالح
4- ارتفاع أسعار الكتب والطباعة
5- غياب التأثير المدرسي فى التوجيه نحو القراءة الحرة وانعدام دور مكتبة المدرسة
_ ويمكن علاج عدم الإقبال عل القراءة من خلال مبادرة قومية تدرك أهمية القراءة والمعرفة فى نهضة مصر الحديثة ويمكن أن تكون أهم المحاور التى تستند عليها تلك المبادرة
1_وضع آليات تشجع الشباب على القراءة ولا سيما الأطفال منهم
2_إعادة إحياء مشروع مكتبة الأسرة والذى كان بصدق أحد الأعمدة الهامةفى بناء الشخصية المصرية وقت ظهوره وما يتوازى مع هذا المشروع من طباعة الكتب طبعات شعبية بأسعار رمزية
3_ تحويل المدارس ومراكز الشباب إلى مكتبات عامة فى الليل وفى الإجازات الصيفية
4_ تغيير نظام التعليم بحيث يصبح جزءا من هذا النظام التعليمي قائما على القراءة الحرة والبحث
5_أن تعتمد الأسرة فى تربية أبنائها على القراءة لما سيعود عليهم بالنفع والفائدة وبناء الشخصية الوسطية التى تمتلك أسس التفرقة بين الصواب والخطأ البعيدة كل البعد عن الغلو والتطرف المتحلية بجميل الأخلاق
_وأخيرا يجب أن نؤمن بأن القراءة هى الوسيلة الناجحة والحتمية لرقينا وتقدمن وتغيير أخلاق أبنائنا نحو الأفضل وبناء قيمهم المثلى وأضرب مثلا لذلك نهضة الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الأولى فى العالم جاءت من خلال القراءة فبحسب الإحصاءات الدولية فإن أكثر مبيعات الكتب والمراجع فى أمريكا وأكثر المقبلين على المواقع العلمية والثقافية على الإنترنت فى أمريكا
_فلنراجع أنفسنا ولنأخذ بصيحة أمير الشعراء أحمد شوقي :
أنا من بدل بالكتب الصحابا * لم أجد لي وافيا إلا الكتابا

كلما أخلقته جددني* وكساني من حلى الفضل ثيابا
بقلم
حاتم عامر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى