أقلام حرة

حاتم عامر يكتب مجرد رأى.. الزواج بين الاتباع والابتداع

جعل الله عز وجل حفظ النفس من المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية وجعل الزواج من أهم وسائل تحقيق هذا المقصد حث عليه ورغب فيه حفاظا على النوع الإنساني ودرءا للمفاسد وتحقيقا للتوازن النفسي للفرد والاجتماعي للجماعة ومنذ بدء الخليقة وهذه العادة المقدسة السامية مستمرة بتعاقب الأجيال وفى كل الأمم والشعوب دون استثناء
**ومنذ بداية الحياة والزواج يحظى بمنزلة سامية لدى الإنسان لدرجة أنه ارتبط إلى حد كبير بمرتبة القداسة عند كثير من الحضارات على اعتبار أن الزواج رابطة عظيمة جمعت بين اثنين لم يكن بينهما من ذي قبل أي جامع يجمع بينهما ولكنهما برباط الزواج صارا كيانا واحدا وأصبحت اللحمة بينهما بالغة الأثر وبهذه العلاقة تقاربت الأسر والعوائل وأضحى الأجنبي قريبا والغريب صهرا ونسيبا
** ويأتي الإسلام الدين الخاتم الذى أعلى من قيمة الزواج وأحاطه بهالة من التقدير والاحترام وفاقت نظرة الإسلام للزواج كل حد وكل تصور ففصل هذا الأمر تفصيلا كبيرا تشريعا وفقها وتنظيرا لسمو هذه الوشيجة ومكانتها ووضع لها الاطار العام الذى يمثل هدفا ساميا راقيا للزواج فقال عزوجل (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
**كان هذا المقصد الإلهي للزواج المودة والرحمة والسكن النفسي والأسرة المتزنة نفسيا واجتماعيا وفى ضوء هذا الفهم كان الزواج فى مصرحتي وقت غير بعيد كغيرها من البلدان مصدر سعادة وبداية لحياة جديدة ملؤها والرجاء وشراكة تقوم على التعاون بين الزوجين فى بناء أسرة مثالية تخرج للمجتمع نماذج مشرفة من الأبناء تساهم فى بناء مجتمع راق ووطن مزدهر
** ولكن للأسف منذ عقود قليلة تحول الأمرفى مصر إلى حالة سيئة باتت تصيب المجتمع المصري وتضربه فى مقتل وتؤثر فيه تأثيرا تتفاقم خطورته إذ تحول أمر الزواج إلى نوع من الاستعراض والتنافس البغيض بين الأسر فى نفقات وتكاليف الزواج فحول سمو الرابطة وقداستها إلى تجارة وإلى سلعة تباع لمن يدفع الثمن ويقدر على شرائها طبقا لقدرة المشترى المالية والمادية فهل هذه نظرتنا إلى بناتنا وابنائنا _هل هذه توجهاتكم يامعشر الآباء والأمهات هل وصل بنا الحال إلى هذا الحد أصبحت معظم الأسر عندما يأتيها خاطب لابنتها يكون المعيار الأول لتقييم هذا الخاطب وظيفته – ماذا يمتلك من المال – هل لديه شقة وهل هى منفصلة عن منزل أسرته يا حبذا ذاك – ما عدد الغرف التى سيجهزها وهل هذا الخاطب سيتمكن من تنفيذ كل ما سيطلب منه مما ابتدعه المجتمع ويبتدعه كل يوم من أشياء إن دلت على شيء فإنما تدل على التفاهة والبعد عن الدين القويم الذى ارتضاه لنا ربنا
** فهلا سأل الأباء والأمهات من جاءهم خاطبا ابنتهم هل تصلى –وسألوا أنفسهم هل هذا الإنسان يمتلك من المروءة والرجولة والنخوة ما يصون به ابنتهم هل هوبار بأمه وأبيه واصلا رحمه فهذه مقدمات لحسن خلق الرجل فقد قال رسول الحق صلى الله عليه وسلم عن معيار اختيار الزوج ( إن جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير)
** وعلى الصعيد الآخر فى مسألة نفقات الزواج إذا كان الخاطب سيتكبد نفقات كبيرة فإن والد العروس سيتكبد ما هو أكبر وأعظم – أشياء وأصناف وأنواع لا استخدام لها ولا مجال لعملها تكدس حتى تكون مجالا للتباهي فقط وما أمر الغارمات منا ببعيد هن سيدات فضليات دفعهن هذا التنافس الأرعن فى تجهيز العرائس إلى الاستدانة وكتابة شيكات وكمبيالات على أنفسهن ولم يستطعن السداد فانتهى بهن الحال إلى السجون –أي مجتمع هذا الذى تحركه سياسة القطيع وإنى لأقسم بالله غير حانث لو استمر هذا العبث الذى لا تحمد عقباه فستكون النتائج على المدى القريب والبعيد وخيمة لن نتحملها وستضرب المجتمع فى مقتل
**أسباب ارتفاع نفقات الزواج فى مصر:
1_ عدم الفهم الحقيقى للمعنى الصحيح لمقاصد الزواج
2_ التنافس المرذول بين العائلات فى الظهور بمظهر الأفضل والأقوى فى تجهيز العروسين
3_ اتباع الابتداعات التى يحدثها الجهلاء ومحدثو النعمة فى المجتمع المصري
4_ رعونة الكثير من الفتيات التى تنظر إلى الزواج على أنه منزل مؤسس بكل الكماليات وما يظهرها أنها أفضل من غيرها مثل القاعة التى سيقام بها حفل الزواج والكوافير وما يدعى السيشن
5_ عدم اعتماد العروسين على أنفسهما فى تكاليف الزواج
6_ تدخل الأهل والأقارب وعجائز الفرح فى تقرير مصير هذه الزيجة وعدم فتح الباب للتعقل
7_ عدم اتباع صحيح الدين
8_خبث التجار الذين يزينون للناس شراء بضائع لا استخدام لها مدعين أنها لوازم لجهاز العروس وهم بالطبع كاذبون
9_ النظر إلى الأثر المجتمعي لقرارتنا وأفعالنا المتصلة بالزواج
10_ التقليد الأعمى للآخرين ولو عن غير اقتناع
11_ نظرة الأسر الخاطئة أن قيمة بناتها بقيمة ما يدفع لها من مهر وما يجهز لها
** نتائج ارتفاع تكاليف الزواج فى مصر:
1_ عزوف الشباب عن الزواج
2_ ازدياد نسبة العنوسة بين الفتيات
3_ انتشار التحلل الخلقي بين الشباب
4_ ارتفاع نسب الطلاق بشكل كبير لأن الزواج لم يبن على أسس سليمة ولكن كان أساسسه المادة فقط
5_ انتشار القلق والتوتر والاكتئاب وعدم الثقة فى المستقبل وهذه عوامل تؤثر تأثيرا بالغا فى السلام الاجتماعي والنفسي للمجتمع
** ما الحل؟
_ لعلاج هذا الأمر الخطير يجب أن نؤسس لعقد اجتماعي جديد بين المصريين لعلاج هذه القضية لإنقاذ الشعب من براثن الغلاء والضيق والهم الذى يعانيه الناس وهذه وجهة نظر متواضعة فى هذا المجال:
1_ إلغاء الشبكة واستبدالها بما تسميه الفتيات اكسسوار ألم يقل النبى صلى الله عليه وسلم ( التمس ولو خاتما من حديد )
2_يقتصر تجهيز منزل الزوجية على ضرورات الحياة فقط والتي تستخدم عمليا وفعليا وبلا مغالاة
3_ الاستغناء عن إقامة الأفراح فى القاعات والأندية والاكتفاء بحفل متواضع فى منزل الأسرة يحضره المقربون فقط على أن يتم إشهار الزواج فى مسجد أو دار للمناسبات
4_ الابتعاد عما يبتدعه الناس من أشياء تمثل إسرافا وبذخا لا يرضى عنه الله
5_ الأصل فى الشريعة أن نفقات الزواج على الزوج ولكن جرى العرف والعادة أن كلا الطرفين يجهز لذا يأتى الزوج بضرورات الزواج حسب استطاعته وتجهز الزوجة ما تتفضل به دون مبالغة
6_يكون الزوج ملزما بدفع مؤخر الصداق لزوجته متى تتحسن أحواله المادية إن لم يكن مقتدرا فما لا يعلمه الكثيرون أن مهر الزوجة حق أصيل لها يدفع لها قبل الزواج وقد يؤخر لكن يظل دينا عليه لزوجته يجب عليه المبادرة إلى دفعه لها متى استطاع فإن لم يفعل فهو آثم فإن مات أخذت مهرها من التركة قبل أن توزع ثم تأخذ ميراثها
** وما سبق قد لا يعجب الكثير وخاصة الفتيات ولكنى أسأل سؤالا أيهما أفضل الرفق واللين فى أمر الزواج أم شبح العنوسة والاحجام عن الزواج الذى أصبح يحيط ببناتنا وأبنائنا
** وأخيرا فإن الدول المتقدمة تطبق ما أمر به الإسلام فى الاعتدال فى نفقات الزواج فالزواج لديهم يؤدى مقاصده وغاياته لذا يجب علينا تغيير عاداتنا وتقاليدنا قبل فوات الأوان ليعود الزواج فرحة وابتسامة وهدفا ساميا من أهداف الخالق سبحانه وتعالى ولتعلم كل أسرة وكل شاب وكل فتاة أن السعادة الحقيقية فى تكوين أسرة متفاهمة تنعم بالأمان والاستقرار وليس الزواج موبيليا أوأجهزة أو حاجيات فقط (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض)
بقلم
حاتم عامر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى