حاتم. عامر يكتب مجرد رأى .. شعيرة الصوم بين الدين والتدين

فارق كبير بين الدين والتدين فإذا كان الدين هو تلك المنظومة التى تجمع فى طياتها العقائد والشعائر والأوامر والنواهي فإن التدين هو تلك القابلية الإنسانية الفردية والمجتمعية لقبول تلك المنظومة والتعامل معها ومع كل معطياتها بشكل اقتناعي كامل يترتب عليه أداء كل العبادات والشعائر بحب ونية صادقة حبا فى الله عز وجل وإرضاء له
** علاقة الضمير بالتدين :
فى هذه الجزئية يدور تساؤل جد خطير وهو من أين ينبع التدين هل من القلب أم الحواس أم من اتجاه آخر غير محسوس ومن تعريف التدين نجد أن منبعه الأساسي من الضير الذى يعد بمثابة الرقيب الأول على أفعال الإنسان وتصرفاته فى هذه الحياة ومن ثم عندما يستشعر الإنسان أفعاله ويدركها ضميره الداخلي إدراكا حقيقيا مناطه إحساسه بالسعادة بها والرضا عنها وشعوره بأن هذا العمل يقربه من ربه ويرضى ربه عنه عندئذ يكون هذا الإنسان قد حقق لنفسه مبدأ التدين والتزم به فى كل ما يأتى به من أفعال
_ ومن هذا التصور لفكرة التدين تأتى علاقة الصوم بالضمير فالإنسان فى كل ما يأتى به من عبادات قد يشاهده الناس و يطلعون على عمله وقد يشهدون له بالصلاح والاستقامة لمجرد أدائه لهذه الأركان فى جانبها الشكلى كالصلاة والزكاة والحج مع أنه عند من غير المقبول عمله فكان هذا المسلم كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى إلا الصوم فهو بمعناه العام أكبر وأجل وأعظم فالمسلم قد يدعى الصوم وهو مفطر ولا يعلم سره إلا رب العزة جل شأنه كما أن الصوم بصفته شعيرة دينية لا يتوقف أداؤها على مجرد الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة فقط ولكنه شعيرة مرتبطة ارتباطا كليا وجزئيا بالروح وتهذيبها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش) فكيف يكون صائما من يفعل الموبقات مثل الرشوة والغيبة والنميمة والإفسادفى الأرض وقد يعيش الإنسان فى جهل مطبق عندما يفعل ما سبق وهو لا يدرك بشاعة ما يفعل وما يأتى كرفقائك فى العمل الذى يقضون يومهم فى الحديث عن النا س وتتبعهم لا يرقبون فى أحد شيئا يخوفهم تركوا مراقبة الله فى عملهم كما تركوا عملهم الذى يرتزقون منه فمعاشهم سحت ومطعمهم سحت فالصوم حالة وجودية كاملة الأركان يعيشها الإنسان بكل جوارحه سمعه وبصره ولسانه وقلبه فى ليله ونهاره وترتقى هذه الحالة فى ضمير الإنسان فتصبح ملامح شخصية مثالية على الدوام فى كل الأيام والشهور والأعوام وليس رمضان فقط وهذا المقصد من الصيام والذى يمثل جزءا من فلسفة الدين فى هذه الشعيرة
_ كيف نعبد الله حقا فى رمضان :
من الجزئية السابقة أنطلق إلى الشكل الحقيقى للعبادة فى رمضان هى العبادة المبنية على مراقبة الله فى كل صغيرة وكبيرة هى العبادة التى يبقى أثرها بعد رمضان هى العبادة التى تعنى الامتثال الحقيقى لله سبحانه وتعالى واستغلال كل لحظة تمر بنا فى مرضاته ولكن ما نشاهده ونراه الآن من إقبال الناس بشكل مبالغ فيه على الأمور الدنيوية يتنافى تماما مع حكمة الصوم _ هوشهر الصوم _ ومع ذلك يزداد استهلاك الناس من الطعام _ هوشهر الهدوء والابتعاد عن صخب الحياة _ فلا نجد صخبا ولا ضوضاء ولا تشجر بين الناس إلا فر رمضان _ كما نجد تكالبا مقيتا على الدنيا
نرفع دنيانا بتمزيق ديننا * فلا ديننا يبقى ولا ما نرفع
** علاقة الحرمان بالصوم :
امتناع الإنسان عن الطعام والشراب والشهوة فى نهار رمضان وعن عادات اعتادها لا يرضى الله عنها وعن نقائص اجتماعية لا تليق بهذا الشهر الكريم هو وسيلة وليس غاية فماذا يفعل الله بجوعنا وعطشنا وغيره من الأمور التى امتنعنا عنها ولكن الحرمان مما اعتدنا عليه مقصده الأسمى هو بناء الشخصية التى تسمو فيها الروح على المادة الشخصية التى تتعلق بالله سبحانه وتعالى فى الكبير والصغير تترك من أجل الله وتفعل من أجل الله أن تتعود النفس عادة الاستغناء فمن يستغنى عن كل ما لا يقدر على تركه هو الذى يستطيع أن يملك نفسه ويروضها هذا الترويض مع اعتياده سيصبح أداة لما هو أسمى وأرقى فلسوف يأخذك إلى عوالم أبعد على خطى المتصوفة حيث تصل إلى الخالق عز وجل فتستغنى به عن كل ما هو دونه فتتحقق سعادتك فى الدارين
** الحكمة العظمى من الصوم :
لعل من أعظم ما نخرج به من فوائد الصوم وفلسفته هى حكمته الكبرى وهى استحضار عظمة الله سبحانه وتعالى ومراقبته الدائمة فى أفعالنا وأن تسمو أرواحنا عن ارتكاب الدنايا وأن تعيش النفس الإنسانية على فطرتها السوية المجبولة عليها وفى حالة اتزان دائم مع الحياة وأن تتلذذ بالترك إن كان فيما يرضى الله وأن تقبل على الأمر بترحاب وشغف حبا وطاعة وتقربا لله
** وأخيرا لنعلم أن فى الصوم قربة من أعظم القربات إلى الله عزوجل إن أتممنا عبادته على الوجه الذى يرضى الله عنا وقتها سنحظى بثواب عظيم لم تحدد قيمته تعظيما للفعل المثاب عنه فقد قال رب العزة جل شأنه (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به)
بقلم
حاتم عامر