فى صراع العاطفة والعقل من يكسب الجولة الأخيرة ؟

النفس الإنسانية معقدة بكل تفاصيلها بكل أبعادها الداخلية والخارجية تحمل فى طياتها الخفية أطيافا متباينة من السلوك الذى لا يعرف كنهه ولا أسبابه ولا معطياته إلا من خلق تلك النفس وأودع فيها ما لا يعلمه إلا هو وتختلف نفوس البشر فى كثير من التوجهات والرؤى المختلفة عند مواجهتها لموضوعات الحياة اليومية ونظرة هذه النفوس فى تعاملها وتعاطيها لتلك الموضوعات ولكن على الجانب الآخر يكمن الاتفاق بين النفوس البشرية فى هذا الصراع الداخلى الذى يستقر فى أعماق النفس الإنسانية ولا يمكن السيطرة عليه أو تهدئته أو التقليل من إلحاحه المزمن هذا الصراع قد يأخذ صورا وأشكالا متعددة فقد يكون بين فكرتين _بين مبدأين _بين الخير والشر _بين الحب والكره_ بين كثير من متناقضات الحياة وبالطبع وبما لا يحتمل أي نوع من الشك أن حدة الصراع الداخلي الذى يدور فى أعماق النفس الإنسانية تختلف من شخص لآخر ويؤثر فى مقدار هذه الحدة عوامل عديدة منها ثقافة الإنسان ومستوى تعليمه والنظم التربوية التى نشأعليها والأهم علاقته بخالقه سبحانه وتعالى ومقدار تدينه والتزامه بمنظومة القيم والأخلاق
_ولعل أهم صراع يدور داخل النفس الإنسانية هو هذا الصراع القائم بين العاطفة والعقل والذى بموجبه يتحدد مصير الإنسان ومستقبله ونمط حياته كلها ,هذا الصراع قد يجعل الإنسان يخسر كل شيء أو يكسب كل شيء
_وتعرف العاطفة فى أدبيات علم النفس الحديث بأنها استعداد وتهيؤ نفسي يوجه صاحبه إلى الشعور بانفعالات وجدانية خاصة والقيام بسلوكيات معينة تجاه شخص آخر أو جماعة أو تبنى فكرة أو تصور ما أو الالتزام بمعتقد ما او الإحساس بشعور تجاه الآخرين
_والعقل والالتزام بمقتضياته وطرائق التفكير به والتمسك بنتائجه تجعل الشخص يوصف بأنه عقلاني فى فكره وتخطيطه وأنه غير متسرع ولا مندفع ولا متهور فيما يأتى به من أفعال وتصرفات
_والإنسان فى وجوده فى بؤرة الصراع بين عاطفته وعقله بين أمرين إما أن يخضع فى حياته لحكم العقل والمنطق وهو يتخذ قراراته ويرسم طريقه فى الحياة فيسترشد بالبراهين والمعطيات والحجج العقلية فتأتى النتائج سليمة ناجحة وإما أن يخضع لعاطفته وتجاربه الشخصية وانفعالات نفسه الداخلية فتخرج قراراته مترهلة ضعيفة غير ناجحة لأنها استندت إلى حكم الهوى والميل المبنى على أسس متخيلة
مثال:
لماذا معظم العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة مصيرها الفشل وعدم النجاح حتى لوقدر لهما الزواج فإنه سرعان ما يخبو بريق هذه العاطفة وتبدأ فى التراجع والانطفاء والإجابة تكمن أن كلا منهما رأى الآخر بعاطفة جياشة متقدة لا تخضع لحكم العقل فأعمتهما تلك العاطفة عن النظر للعيوب والمثالب القابعة فى شخصية كل منهما
_ويؤكد خبراء علم النفس أن قوة العاطفة أقوى من قوة العقل ففى عقل الإنسان توجد منطقتان منطقة الوعى وهذه حجمها محدود نسبيا بالنسبة لمنطقة اللاوعى التى تتركز فيها ذكريات الطفولة والانفعالات والمشاعر والاحاسيس التى تحتويها النفس ولذا فإن الإنسان عندما يمر بحالة من الغضب الشديد أو تزيد قوة المشاعر عنده فإن ذلك يؤثر على قراراته فتخرج بشكل غير منظم دافعة إياه إلى عدم تبصر الأمور وحساب ما يترتب عنها من نتائج قد تدفعه للندم عما ارتكبه من حماقات جاءت وليدة تهور انفعالى غير مدروس وغير مبرر
_ الانفعال المتعقل:
الأحرى بالإنسان وهو فى طريقه لاتخاذ قرارات مصيرية أو هامة فى حياته هو أن يتعامل مع انفعالاته ومشاعره بطريقة موضوعية هادئة متروية وأن يخضع هذه الانفعالات للتفكير النطقى العقلانى وبالتالى الوصول إلى نتائج محكمة ولا يعنى التمسك بالعقل واحكامه التنصل تماما من العاطفة وتأثيرها ولكن لنوجد توازنا مقبولا بين الحالين وعلى حسب لغة القانون ننفذ موجبات العقل بروح العاطفة
_أثر العاطفة فى صنع القرار:
ونحن نصنع قرارتنا إن تغلبت العاطفة فسوف تمر جميع مراحل صنع القرار بحالة من الضبابية وانعدام الوزن وقلة وضوح الرؤية لأننا فى هذه الحالة لن نفكر فى نسق القرار بطريقة منظمة صائبة ولكن سيكون المتحكم الأول هو العاطفة المتجردة من النظام البعيدة عن حساب المخاطرة غير المدركة للنتائج وأعنى بهذا السياق خطورة تغليب العاطفة فى كل المناحى فى داخل الأسرة وتربية الأبناء فى علاقات العمل فى علاقتنا بالآخرين
_العاطفة المتطرفة:
العاطفة هى جزء من رحمة الله بعباده أودعها فى نفوسهم وجعلها دافعا للمودة والرحمة وحب الخير ولكن هذه العاطفة قد تنحو منحى غير سوى فتنحرف عن الجادة وعن الطريق القويم فتصبح وبالا على الإنسان تجعله اضحوكة بين الناس مزعزع الشخصية مذبذب الفكرلايقدر على اتخاذ قرار صائب أو الإتيان برأي راجح وإذا دققنا النظر فى صور انحراف العاطفة الإنسانية وتطرفها نجدها تأخذ اشكالا متعددة منها:
_ غلبة العاطفة تؤدى إلى حب الشهوات والملذات بكل أنواعها
_ أصحاب البدع الذين تطرفت عاطفتهم يدعون حب الله
_إيثار أحد الأبناء بالمحبة وتفضيله على إخوته نوع من العاطفة المتطرفة
_حب الرجال للنساء إن لم تأخذ شكلا مشروعا نوع من العاطفة المتطرفة التى ليس من ورائها طائل
_كيف نحدث التوازن بين القل والعاطفة ؟
العقل والعاطفة امران مهمان للإنسان ولكن إذا تغلبت العاطفة على العقل حدثت الكارثة لذا يجب أن يكون الإنسان فى مأمن من غلبة العاطفة عن طريق:
1- إخضاع كل تفاصيل الحياة لمقتضيات العقل
2- التحكم قدر المستطاع فى الانفعالات ومحاولة كبحها
3- عدم الانسياق وراء المشاعر الزائفة أو الرعناء و،قدها بالعقل الواعى المستنير
4- الإكثار من القراءة فى مختلف الموضوعات فالقراءة عماد من أعمدة بناء الشخصية الواعية المستنيرة
** وأخيرا فإن العقل نعمة إلهية حبا الله الإنسان بها وكان به مناط التكليف فيجب أن يكون له وحده الكلمة الأخيرة فى كل أمورنا فبالعقل عرف الإنسان ربه بالعقل اهتدى إليه وبالعقل اخترع وأبدع وبالعقل عرف من يصدقه ومن يخدعه وبالعقل أبدع وعمر وبسبب أنه يمتلك عقلا سيحاسب ويكون مصيره الجنة او النار
بقلم
حاتم عامر