مجرد رأى… الدراما الرمضانية ونظرية الفن الهادف

فى السنوات الأخيرة ومع وجود نظم البث الرقمى نجد تسابقا محموما لدى منتجى ومخرجى الأعمال الدرامية على تقديم أعمال يتم عرضها طوال الشهر الكريم ولا نعرف سببا ولا تفسيرا يفسر هذه الظاهرة ربما يكون التفسير الأقرب هو أنها تجارة تستسمر فيها الأموال من أجل تحقيق أرباح لكل المشاركين ولكل المتعاملين مع هذه المادة ولن أقف طويلا أمام الأسباب التى تقف وراء تقديم الأعمال الدرامية فى شهر رمضان بهذه الكثرة المبالغ فى عددها وكمها لأننا إن شئنا أم أبينا فإننا أمام حدث أصبح له حيز ووجود لن نستطيع له دفعا أو ردا لأنه يمتلك القدرة على التوغل والدخول إلى منازلنا ومتاح للجميع التعامل معه والتعاطى مع محتواه بشكل أو بآخر ولكن فى هذا الشأن لابد أن نحدد علاقة هذا الوافد المقتحم لمنازلنا وأسرنا بنظرية الفن الهادف التى بمقتضاها نستطيع أن نبرهن على مدى قيمة ما يقدم إلينا وأثره على حياتنا وثقافتنا وهويتنا وتقاليدنا الموروثة التى نتمسك بها
**الفن الهادف:
هو الفن الذى يستطيع أن يغير من أفعال الناس وتوجهاتهم فى الحياة هو القادر أن يضبط سلوك وأداء الإنسان داخل مجتمعه هو الأداة التى توجه الرأى العام توجيها إيجابيا نحو الأفضل وفى إتجاه المثالية القيمية التى تتفق مع المنظومة القيمية الإنسانية للجنس البشرى عامة والمنظومة القيمية الخاصة بكل مجتمع
_ الفن الهادف هو الذى يمتلك معول الهدم لكل ما هو غث وتافه ويتنافى مع أخلاقنا وقيمنا وثوابت ديننا وحياء مجتمعنا وخصوصية ثقافتنا
_وليس الفن مجرد أعمال تعرض لا هدف ولا طائل من ورائها يرتجى إلا كما قلت مكاسب تتفق مع طموحات وتطلعات فئة مستفيدة من هذا الأمر لا يهمها إلا الربح السريع الثمين حتى لو كان على حساب المجتمع الذى ينتمى إليه والمحزن اننا نرى أعمالا درامية تدعو إلى الانحدار الأخلاقى وبث روح التمرد والخروج على منظومة القيم وخاصة بين أوساط الشباب وتحاول أن تصدر إلى المجتمع ما ليس فيه أو تكشف ما يضج به المجتمع والذى يجب السكوت عنه حتى لا يضج ولا يستفحل ويصبح مبررا ولا سيما بين من تتوق نفسه إلى التقليد والمحاكاة وخصوصا إذا كان المقلد والمحاكى إمعة لا رأى له ولا يمتلك القدرة على النقد والتحليل لما يشاهده ويراه فينجرف وراءه
** أما الفن الهادف فهو الذى يختار مشكلة ويحلل أسبابها وما أدى إليها ويقدم الحلول لها من واقع الضمير الإنسانى اليقظ الذى يحرص على رقى المجتمع وتقدمه وصون محارمه
** أمثلة على الدراما الهادفة:
عندما تم إنتاج فيلم كلمة شرف والذى جسده نجوم كبار ( فريد شوقى _ أحمد مظهر_ رشدى اباظة والذى جاء دوره متواضعا فى مساحته الفنية كبيرا فى تأثيره ) كان يهدف إلى تقرير حق من حقوق السجين وهو أن يقوم بزيارة أهله بشروط خاصة إذا كان من يريد زيارتهم لا ستطيعون الذهاب لزيارته وفيلم ( جعلونى مجرما ) الذى كان يريد أن يقرر حقا أصيلا للمجرم الذى ارتكب جريمة وسجن بسببها ثم تاب وأناب أن تمحى السابقة الأولى من سجله الجنائى دفعا له إلى الخير والصلاح ودوام الاستقامة وقد ترتب على هذه الأعمال صدور تشريعات وقوانين أقرت ما يتفق مع هذه الرؤية والرسالة
_كما تم عرض مسلسل الليل وآخره الذى ناقش قضية مهمة جدا وهى أن بعض الأسر فى الصعيد وفى الريف تحرم البعض من الميراث وخاصة النساء وأثر ذلك على السلام الاجتماعى للمجتمع
_ الأعمال الدرامية الهادفة تلعب دورا مهما جدا فى تنشيط السياحة داخل المجتمع لا نها تظهر أفضل ما فى المجتمع ومدى ثقافته وتحضره ورقيه وهذا يدعوإلى احترام الآخر لنا وحرصه على المجىء زائرا إلينا
** إطلالة على دراما رمضان 2023:
_ ما لفت نظرى فى دراما رمضان هذا العام هو ثلاثة أعمال :
الأول:
مسلسل( رسالة الإمام )والذى جسد سيرة الإمام محمد بن إدريس الشافعى وكيف أن هذا الإمام العظيم قد تبنى العلم سلاحا وأداة للفكر وكيف أنه تحلى بالمرونة ومقتضيات العصر فعندما جاء إلى مصر غير تصوره للأحكام الفقهية التى كان يتبناها فى العراق لاختلاف الحال والمقام
الثانى:
مسلسل ( الكتيبة 101) الذى عرض بشكل واقعى لواقع يعيشه الناس فى كل مكان وزمان عندما يذهب أولادهم لاداء الخدة العسكرية فى اماكن ملتهبة ومشتعلة بالأحداث وكيف يكون حالهم اليومى فى قلقهم على أولادهم ومع ذلك يصبرون حبا للوطن وفداء له كما رأينا حال اسر ضباط الجيش والشرطة وكذلك الجنود الذين يفجعون برحيل ذويهم ومع ذلك يتقبلون الأمر بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره
الثالث:
مسلسل يقدم للأطفال تحت عنوان ( مغامرات يحيى وكنوز)والذى قدم التاريخ الفرعونى لمصر بشكل رائع وجذاب حرص على تمام المعلومة وبساطة العرض وقد ذكرنى هذا المسلسل بتجربة ناجحة قامت بها أسرة الدراسات الاجتماعية بمجمع مدارس الشبان المسلمين بقيادة الأستاذة الفاضلة نيفين السيد نزيه رئيس قسم الدراسات الاجتماعية حيث قامت بعقد دورة تثقيفية متسقة مع فكرة المسلسل للتوعية الأثرية وقد أتت بثمار عظيمة بين الطلاب
** وأخيرا فاالكلمة أمانة وعندما تتحول إلى خطاب للجمهور أضحت أمانة فمن أراد بكلمته الخير كان له خيرها وخير من عمل بها ومن أراد بكلمته السوء والهدم كان عليه وزرها ووزر من عمل بها
بقلم
حاتم عامر