مجرد رأى.. السودان بين المؤامرة ونزعات التشتت

عندما قامت ثورة الثالث والعشرين من يوليو اتخذت لها نهجا تحرريا ثوريا يقوم على مساعدة الأشقاء العرب وغيرهم على التخلص من براثن الاستعمار وهيمنته على الشعوب ومن ثم كان السودان الشقيق هو البلد الأولى بالرعاية والنظر بحكم تبعيته لمصر على مدار عقود طويلة ولم تكن مصر لتفتئت على السودان وشعبه لتحرمهم حق تقرير المصير وحق الاختيار فتم إجراء استفتاء شعبى فى السودان على إثره اختار الأشقاء فى السودان الانفصال عن مصر واعلان دولتهم المستقلة التى سيكون السودانيون وحدهم هم الأوصياء عليها هم من يقررون نظامها وهيئتها السياسية واحترمت مصر اختيار السوادنيين ولم تقف على الحياد السلبى بل كانت إيجابية فى تعاطيها لحق السودان فى تقرير مصيره قدمت الدعم والمساندة والعون وعملت بكل إمكانتها على أن يصل الشعب السودانى إلى استقلاله الفعلى على الأرض وتم إعلان السودان المستقل فى عام 1956وعبر المسيرة السياسية للسودان منذ انفصاله عن مصر مر هذا البلد الشقيق بمراحل شديدة الالتهاب من شد وجذب وثورات كان لها تأثير كبير على البلد الذى يطمح أبناؤه إلى الاستقرار والتنمية والازدهار ولاسيما أن السودان يمتلك ثروات ومساحة وإمكانات طبيعية ترشحه بجدارة لأن يكون قوة اقتصادية جبارة ولا يخفى علينا ما تعلمناه فى مدارسنا صغارا أن السودان قادر أن يكون سلة الغلال والغذاء للوطن العربى بحكم تنوعه المناخى والزراعى
_بالإضافة إلى الثورات والحركات الشعبية الثورية التى مر بها السودان فإنه تعرض ومازال لأكبر خطة ممنهجة لتقسيم أراضيه وإنشاء دويلات مستقلة على أرضه ولذلك وجدنا كثافة لتواجد الحركات الانفصالية المسلحة على أرضه مثل جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور وهذه الأخيرة تحظى بنصيب الأسد فى حركاتها المسلحة ولعل أكبر تمرد عسكرى شهده السودان فى جنوبه تحول فيما بعد إلى دولة وهى جنوب السودان ومن المعروف سلفا أن جنوب السودان هو الجزء الأغنى على أرض السودان بالبترول والذهب
_والمتتبع للمشهد السياسى فى السودان يجد أنه بعد انتهاء حكم جعفر النميرى نتيجة انقلاب عسكرى بدأ يظهر أثر توجهات أيدلوجية ودينية على مسيرة الحكم فى السودان بدأت بجماعة حسن الترابى ذات التوجه الإرهابى حتى مع مجىء عمر البشير نتيجة قيادته هو الآخر لانقلاب عسكرى ظل مرتبطا دون إفصاح منه بفكر تمثل فى جماعة الإخوان المسلمين
_ وبعد الإطاحة بعمر البشير نتيجة الحراك الشعبى الداخلى الذى تأثر بالأوضاع المعيشية السيئة التى مرت بها البلاد تولى الجيش أمور الحكم وتشكل مجلس للحكم يضم عسكريين ومدنيين
_ولكن المتتبع للمشهد يجد أن الأمر تحول إلى مسألة شد وجذب دون رغبة حقيقية عند الجميع لإنهاء المعاناة وإزالة حالة الاحتقان التى يمر بها الوطن
_ومع بدء حالة الاقتتال بين الجيش السودانى وبين قوات الدعم السريع البتى كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية فى دارفور وتتبع فى قيادتها للمخابرات السودانية والأمن الوطنى بل وكان قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو هو نائب المجلس العسكرى فى السودان بدأ يبدو فى الأفق شىء غريب أن الأمور لا تسير كما كان يجب وأن شيئا ما يبدو فى الأفق
_وهنا تتجسد روح المؤامرة على هذا البلد الشقيق الطيب وأن كل من يتعامل مع المشهد ينفذ أجندات خارجية هدفها المصالح الشخصية والمصالح الدولية لأصحاب المصالح فى هذا القطر وبدا التنازع متعمدا والشقاق مقصودا كعامل يقصد من ورائه الولوج إلى داخل السودان والاستيلاء على ثرواته وتقسيمه إلى دويلات وكنتونات صغيرة يسهل الانتفاع بها والتغلب عليها ويظل شعب السودان يعانى الفقر والحرمان أبد الدهر
** ملاحظة على احتجاز القوة المصرية فى السودان :
الجميع يعلم أن السودان الشقيق يمثل عمقا استراتيجيا لمصر من الجهة الجنوبية لحدودها لذا فإنه بين الحين والآخر تتم تدريبات عسكرية بين الجيشين المصرى والسودانى وعندما وقعت الأحداث الأخيرة الجارية فى السودان تم احتجاز قوة مصرية فى السودان من قبل قوات الدعم السريع وهذا العمل أنظر إليه بشكل مختلف مفاده إيجاد حالة من التوتر فى العلاقات بين مصر والسودان وإذا كان الاقتتال بين الفرقاء السودانيين شأن داخلى فإنه من السذاجة أن نعتقد مصر بعيدة عن المشهد والحدث فالسودان يعيش تحت وطأة مؤامرة دولية ممنهجة غير معلومة ولا ظاهرة أطرافها فى العيان وإن كانوا معلومين خفاء لذا فإن جزءا من هذه المؤامرة يتجه نحو مصر يضمر لها شيئا ما غير معلن فعندما نقول أن السودان يمثل عمقا استرايجيا لمصر فأقل ما يذكر هو الأمن المائى لبلدنا
** وأخير فإننا نتمنى أن يستجيب الفرقاء السودانيون لصوت العقل والضمير والحكمة وأن يكون السودان الشقيق أمنه ومصلحته وحاضره ومستقبله وشعبه الطيب هو وجهتهم ونصب أعينهم وليتذكروا أن الأشخاص راحلون وإلى زوال ويبقى الوطن ويبقى التاريخ شاهدا يترحم على من بذل حياته وعمره فى سبيل بلاده ويصب اللعنات على من ضيع وأفسد
بقلم
حاتم عامر